قانون الجرائم الالكترونية – بعبع جديد لتكميم الأفواه
بطريقة مريبة، أطل علينا مساء الأثنين 25 أكتوبر 2021، بعض نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي بمسودتي مشروع قانوني الجرائم الالكترونية والمعاملات الالكترونية، ترجع حسب المكتوب لسنة 2018، ومطروحة في أجندة مجلس النواب الليبي بالبيضاء لجلسة يوم الثلاثاء 26 أكتوبر 2021، المشروع الذي مرر بأغلبية المجلس في هذه الجلسة والذي يعتبر من المشاريع القليلة التي حظيت بالمناقشة منذ انتخاب المجلس سنة 2014.
بطريقة مريبة، أطل علينا مساء الأثنين 25 أكتوبر 2021، بعض نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي بمسودتي مشروع قانوني الجرائم الالكترونية والمعاملات الالكترونية، ترجع حسب المكتوب لسنة 2018، ومطروحة في أجندة مجلس النواب الليبي بالبيضاء لجلسة يوم الثلاثاء 26 أكتوبر 2021، المشروع الذي مرر بأغلبية المجلس في هذه الجلسة والذي يعتبر من المشاريع القليلة التي حظيت بالمناقشة منذ انتخاب المجلس سنة 2014، لأخصص من هنا هذه التدوينة لمناقشة قانون الجرائم الالكترونية.
ترجع مدخلات القانون لسنة 2018 عندنا اشتدت الصراع بين أطراف الأزمة الليبية المتمثلة في مجلس النواب بمدينة البيضاء والجيش العربي الليبي في الشرق وحكومة الوفاق الوطني والقوات المسلحة الليبية في الغرب، الأمر الذي انعكس على محتوى شبكات التواصل الاجتماعي، بازدياد خطاب الكراهية والتحريض المتبادل، وتسريب عدد من التسجيلات والمقاطع المخلة لأعضاء مجلس النواب، بالتزامن مع عمليات تسريب بيانات مصرفية وعمليات تصيد متنوعة استهدفت الليبيين تلك الفترة، كل هذا بالتوافق مع موجة قوانين الجرائم الالكترونية في المنطقة خاصة بجمهورية مصر العربية والمملكة الهاشمية الأردنية الحليفين الاستراتيجيين لمعسكر شرق ليبيا، الأمور التي ساهمت بشكل كبير في تشكيل محتوى القانون وبنيانه الحالي.
في البداية قام المشرع بسرد مجموعة تعريفات فضفاضة لمفاهيم متنوعة كالقرصنة، التشفير تذكرني بتعريفات منهج مبادئ الحاسوب العتيقة لطلبة الذي يدرس لتلاميذ الابتدائية، لتكون الجريمة الالكترونية في نظر المشرع هي كل الأفعال المخالفة لمواد هذا القانون التي تستخدم أنظمة الحاسب، شبكة الانترنت وغيرها من وسائل تقنية المعلومات كوسيلة لها، ملحقا ذلك بمشروعية استخدام كل هذه التقنيات ما لم يترتب عليها مخالفة للنظام العام والآداب العامة أو الاساءة للأخرين والاضرار بهم.
حيث وضح المشرع أهداف القانون حاصرا إياها في حماية التعاملات الالكترونية – والتي خصص لها قانون أخر تم اعتماده في ذات الجلسة – والحد من وقوع الجرائم واقرار عقوباتها الرادعة قصد حماية النظام العام والآداب العامة، الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة، لتسري هذه المقاصد خارج الأراضي الليبية ليكون كل من يساهم في خرق هذه المقاصد عرضة للمحاسبة من قبل الجهات المختصة الليبية أينما كان، معطيا صلاحيات ضبطية وتقديرية للهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات – الهيئة -التابعة للهيئة العامة للاتصالات والمعلوماتية.
الإباحية
شكلة الإباحية عنصرا أساسيا من القانون، حيث أوجب المشرع على للهيئة حجب المواقع والصفحات الالكترونية الناشرة للإباحية والمروجة للدعارة والفجور وأي مواد أخرى مخلة بالآداب العامة بشكل عام غير مقيد، ليندرج هنا تطبيق تك توك ومنصة نتفليكس وغيرها من المنصات الاجتماعية؛ ليعاقب بالحبس والغرامة المالية لا تزيد عن عشرة ألاف دينار (2000 دولار) لمن ينتج هذه المواد يتداولها ويحفظها متضمنة تلك المواد الإباحية المسربة، كتسريبات أعضاء البرلمان ذاته. ليلحقها بمادة مخصصة للتحريض على الدعارة ليعاقب المحرض هنا بالسجن لا الحبس وذات الغرامة المالية، ومن ثم يستذرك بتجريم استخدام تطبيقات تحرير الصوت والصور الا بموافقة كتابية لصحاب المادة الأصلية، تلك المادة التي لو حورت لإنتاج مادة اباحية يعاقب محورها بالسجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات مع تنويه على تجريم استغلال القصر والموقين نفسيا وعقليا في أعمال اباحية الكترونية، أمرا بحبس كل مضايق للأخرين قصد اشباع الرغبات الجنسية. مواد (8، 19، 20، ،21، 22، 23).
الرقابة
أجاز المشرع للهيئة مراقبة كل ما ينشر على الانترنت وغيرها من نظم تقنية، معطيا لها الحق لحجب ما تراه يزعزع أمن المجتمع واستقرار عند الضرورة، ضابطا ذلك بأمر قضائي في حالة عدم جود ضرورة أمنية استعجالية، ليعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وذات الغرامة السابقة من يحرض على زعزعة أمن المجتمع واستقراره عبر الانترنت، شاملا ذلك كل من يتعدى على الأخرين بالتهديد أو التحقير بسبب انتماءاتهم العرقي، الديني، المذهبي أو “لونه” أو أساء الى المقدسات أو الشعائر الدينية، أمرا بحبس كل من يحرض على القتل أو الانتحار على الشبكة. مواد (7، 29، 30، 38، 42).
الإرهاب وغسيل الأموال
يعاقب القانون بالسجن المؤبد، كل من ساهم في نشر معلومات لجماعة إرهابية تحت مسميات تمويهية، أو ساعد في التواصل مع قيادتها وأعضاءها والترويج لأفكارها، مضمنا كل عمليات نشر كيفية تصنيع الأجهزة الحارقة والمتفجرات وأي أدوات تستخدم في أعمال محظورة من القانون، ليترك المشرع الباب مفتوحا على مصرعيه لجز بكل من ينتمي لجمعات مدعومة من معسكر غرب ليبيا والتي ضمنها سابقا البرلمان ضمن قوائم الإرهاب كجماعة الاخوان المسلمين في السجن المؤبد. أما في حالة تحويل الأموال غير المشروعة أو نقلها أو تمويهها واخفاءها بعلم مصدرها غير المشروع، يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات وغرامة لا تزيد عن ستين ألف دينار (15000 دولار). مواد (44، 45).
الاختراق
يحظر المشرع عملية التأثير في أنظمة تقنية المعلومات والانترنت عن طريق البرمجيات المتنوعة بقصد الحصول على منفعة دون وجه حق أو الاضرار بالأخرين، وصفا إياه بغير المشروع اذ كان الاختراق متعمد دون تصريح أو بما يخالف التصريح، معقبا صاحب هذه الأفعال بغرامة لا تزيد عن خمسمائة دينار (100 دولار) ، مشددا إياها بالحبس اذ كان الاختراق بقصد تعديل البيانات، نسخها أو تدميرها، لتزيد الغرامة بما لا تقل عن عشرة ألاف دينار (2000 دولار) في حال نجم عنها إعاقة عمل النظام او الانترنت، مشددا العقوبة للحبس إضافة لذات الغرامة المالية لو كان القصد هو المنفعة المادية وللسجن وذات الغرامة بأن لا تزيد عن مائة ألف دينار (20000 دولار) اذ كانت تهدف لتعطيل الأعمال الحكومية، ليتعرض للحبس من قام بالتنصت غير المشروع على الأفراد وبالسجن اذ كان القصد الحصول على أسرار حكومية أو أمنية أو عسكرية أو مصرفية وبالسجن المؤبد اذ قام بنشرها عبر الانترنت أو مكن جهة أخرى من الحصول عليها. مواد (10، 11، 12، 13، 15، 16، 34، 47).
التشفير
يجرم المشرع حوزة، تسويق أو استراد أي من وسائل التشفير دون ترخيص من الهيئة، التشفير الذي عرفه القانون بشكل فضفاض على أي عملية ترميز لبيانات الكترونية يستحيل قراءتها أو معرفتها دون اعادتها لهيئتها الأصلية ليتضمن التجريم استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية VPN، معقبا من حاز هذه الوسائل بالسجن وغرامة لا تزيد عن مائة ألف دينار (20000 دولار) وبالسجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات وغرامة لا تزيد عن مائة وخمسين ألف دينار (30000 ألف دولار) في حال استخدام هذه الأدوات ضد الحكومة، المصارف والمؤسسات لعسكرية أو الأمنية. ليعاق أيضا أي عملية فك للترميز قصد الاستخدام غير المشروع بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تزيد عن عشرة ألاف دينار (2000 دولار). مواد (9، 14، 39).
الملكية الفكرية
سعى القانون للحفاظ على الملكية الفكرية للمحتوى الليبي المنشور على الانترنت وأي نظام أخر بشكل عام واضعا كل منتهك في قفص المساءلة دون الاكتراث لقوانين وشروط استخدام منصات النشر على الانترنت، واعدا كل معتدي على حقوق التأليف بالحبس لمدة سنة وغرامة مالية لا تزيد عن عشرة ألاف دينار (2000 دولار) وبالعقوبة ذاتها لكل من يقلد توقيعا الكترونيا أو عملا رقميا كان أدبيا أو فنيا أو قام بقرصنة أي من البرمجيات أو باع أيا منها، لتخفض العقوبة للحبس وغرامة لا تزيد عن خمسة ألف دينار (1000 دولار) لكل من ينتحل علامة تجارية مسجلة في الدولة كانت حكومية أو غير حكومية. مواد ( 6، 24، 25، 26، 46).
الاتجار بالممنوعات
يجرم القانون بعقوبات متنوعة استخدام الانترنت وأنظمة تقنية المعلومات في للاتجار بالأثار، ترويج الخمور والمسكرات أو الدعاية لها، كم ضم ترويج المخدرات والمؤثرات العقلية، وشرح طرق انتاجها، ليتطرق أيضا لكل من استخدم الانترنت وأنظمة تقنية المعلومات للاتجار بالأشخاص. مواد (27، 32، 33، 43).
في الختام
بالمجمل يتسم القانون ببنيان متشتت، بتشتت المصطلحات وفضفضة التعريفات، الأمر الذي يتيح للهيئة وغيرها من جهات ضبطية والقضائية الحرية الواسعة في فهم وتطبيق قوانينه بكيفية تساهم في تكميم أفواه المواطنين وانتهاك صارخ في خصوصيته وحرياتهم، كما لم يوضح القانون الجهة القضائية المختصة للتعامل مع هذه الجرائم الالكترونية، مجرما كل من كان له علم بإحدى هذه الجرائم ولم يبلغ عنها ليضيفها لعقوبة لفعل تهديد الأمن أو السلامة العامة بدون أي تفصيلات، ليحاول أيضا تغطية بعض الجوانب في جانب المدفوعات الالكترونية بشكل مشوه.
للأسف لم يكترث المشرع باستشارة المختصين أو الاستفادة من تجارب العالم في مكافحة الجرائم الالكترونية، ليخرج بهذا القانون العائب المشوه، واقراره فقط لدوافع سياسية بحثة لا تمت لواقع الفضاء السيبراني الليبي وخصوصيته بصلة، في تناقضات متعدد لقانون العقوبات العامة في حالة ممارسة ذات الأفعال في الواقع الحقيقي لا السيبراني، على أمل أن يتمكن نشطاء المجتمع المدني والمهتمين بالمجال ومحترفيه بإيصال صوتهم للجهات ذات العلاقة لإعادة النظر في القانون بما يتماشى مع أفضل التجارب والدروس المستفادة حول العالم والمنقطة.
إطلع على نسخة من قانون الجرائم الالكترونية من هنا.
تنويه: يقصد بالدينار: الدينار الليبي ويقصد بالدولار: الدولار الأمريكي، وسعر صرف الدينار مقابل الدولار حسب السعر الرسمي المعلن من قبل مصرف ليبيا المركزي مقرب ألقرب واحد صحيح.
أمجد بدر، مهندس كمبيوتر مختص في مجال التنمية بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يدرس الماجستير في مجال الحوكمة الالكترونية والابتكار في القطاع الحكومي بجامعة لوفان الكاثوليكية، رائد أعمال اجتماعي وعضو في عدة مؤسسات محلية ودولية.
تم نشر هذه المقالة عبر منصة مبادرة أنير.
اترك تعليقاً