الذكاء الاصطناعي وانتهاكات السلامة الرقمية
من الوارد كثيرًا والمفهوم أيضا هو أن تقضي سنوات في انتظار أن يفي صديقك الرسام بوعده ويرسمك بريشته البديعة، فتقوم بمشاركتها على حساباتك بمنصات التواصل الاجتماعي أو ربما تضعها كصورة شخصية. ومن المفهوم أيضا ألا يفي صديقك هذا بوعده أبدا، ثم بين ليلة وضحاها، بينما تتصفح الإنترنت، يقابلك تطبيق يحول صورتك المفضلة لنفسك، في المكان الذي تحب والعالم الذي تحب -مهما بعد عن الحقيقة- يحول صورتك إلى لوحة فنية كما تخيلتها تماما، خلال ثوان وبضغطة زر واحدة.
الذكاء الاصطناعي وانتهاكات السلامة الرقمية
من الوارد كثيرًا والمفهوم أيضا هو أن تقضي سنوات في انتظار أن يفي صديقك الرسام بوعده ويرسمك بريشته البديعة، فتقوم بمشاركتها على حساباتك بمنصات التواصل الاجتماعي أو ربما تضعها كصورة شخصية. ومن المفهوم أيضا ألا يفي صديقك هذا بوعده أبدا، ثم بين ليلة وضحاها، بينما تتصفح الإنترنت، يقابلك تطبيق يحول صورتك المفضلة لنفسك، في المكان الذي تحب والعالم الذي تحب -مهما بعد عن الحقيقة- يحول صورتك إلى لوحة فنية كما تخيلتها تماما، خلال ثوان وبضغطة زر واحدة.
خلال السنوات الأخيرة، اجتاحت موجة الذكاء الاصطناعي كل المجالات تقريبا، ولم تستغرق طويلا حتى قدمتها الشركات التجارية على شكل تطبيقات بسيطة للمستخدم العادي، مثل تطبيقات تعديل ومعالجة الصور، تطبيقات توليد الأفكار والكتابة وتطبيقات التصميم. وفي هذه المقالة؛ سنلقي نظرة على تطبيقات معالجة الصور باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على وجه الخصوص.
منذ بداية عام 2020 بدأت حمى الصور المعالجة بالذكاء الاصطناعي في الانتشار على مستوى الأوساط العربية والعالمية، وتناقلت بشكل سريع على مختلف منصات التواصل الاجتماعي، مدفوعة بالفضول ومعززة بسهولة التجربة، خاصة مع ظهور تطبيق PortraitAi في ذلك العام، ثم خلال الأعوام اللاحقة ظهرت تطبيقات أخرى مثل تطبيق Lensa المملوك من قبل Prisma labs في كاليفورنيا، وجميعها تشترك في تقديم خدمات معالجة الصور بسهولة وسرعة مغرية.. لكن السؤال الذي نطرحه الآن، هل حقا هذه التطبيقات مجانية؟ أم تكلفنا ما لا يقدر بثمن؟
لكل شيء ثمن، حتى التطبيقات المجانية!
مع انتشار صور ملفتة على منصات التواصل الاجتماعي، يصبح تركيز المستخدم كله على مواكبة الحدث والحصول على صورة مشابهة، فيقوم بشكل سريع بزيارة التطبيق أو الموقع الذي يقدم هذه الخدمة، وفي غالب الأحيان يلجأ المستخدمون إلى اختيار (فترة تجريبية) بشكل مجاني، دون الانتباه لسياسات الخصوصية في التطبيق، أو المقابل الذي يجعل تطبيقات مماثلة سهلة الانتشار. بينما تكون الموافقة على سياسات الخصوصية والاستخدام دون الاطلاع عليها، كأن يقول المستخدم للقائمين على التطبيق: “خذوا بياناتي وهويتي ومعلوماتي الشخصية ومعلومات استخدامي وأمنحكم حق الوصول، مقابل صورة فنية لافتة وفاتنة”
في البداية، كيف تعمل هذه التطبيقات؟
“تطبيقات تعمل باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي” هذه هي الإجابة المقتضبة، ولكن بفهم التفاصيل يمكن أن تتضح الخطورة. تبدأ تجربتك منذ لحظة زيارة التطبيق، وتسجيل الدخول أو إنشاء حساب، مع إمكانية الدخول باستخدام حساب في منصات أخرى، مثل (الدخول باستخدام حساب فيسبوك) وهذه حالة أخرى يترتب عليها عواقب مختلفة في بعض الأجزاء، ثم ستظهر لك قيمة الاشتراك في خدمات التطبيق، مع خيار (الفترة التجريبية) المجاني والتي تكون عادة لمدة أسبوع، ثم يطلب منك رفع الصور من جهازك إلى التطبيق. وفي حالة تطبيق Lensa المعالج للصور مثلا، يطلب منك تحديد عدد من الصور بزوايا مختلفة، قد يصل إلى 20 صورة، لتحديد كل التعابير والتفاصيل، كما يطلب منك تحديد الجنس، وتبدأ عملية المعالجة باستخدام خوارزميات مقدمة من TrueDepth API التابعة لشركة (آبل). وتستخدم هذه التطبيقات ما يعرف بالانتشار المستقر (Stable diffusion) والتعلم العميق، الذي يعتمد على التدريب باستخدام كميات ضخمة من البيانات المجمعة، حتى يصل إلى نقطة القدرة على التعرف والدمج وإنتاج صور فنية بالتيمة المطلوبة.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي والخصوصية
Lensa, Portraitai وغيرها من التطبيقات التي تعمل بطرق متشابهة حتى مع اختلاف النتائج التي تقدمها، جميعها تحمل سياسات خصوصية لا يقف عندها كثير من المستخدمين، ويضغطون على خيار الموافقة، دون التركيز في خطورة عدة نقاط، مثل البيانات التي يسمح لهم بالاحتفاظ بها، وتشمل هذه البيانات:
- الصورة المرفوعة على التطبيق. رغم أن بعض التطبيقات تطلب السماح بالوصول إلى معرض الصور بالكامل، مما يدعو للشك، حتى في حالات تأكيد بعض الشركات على أنهم لا يقومون بتخزين هذا النوع من البيانات.
- بيانات ذات علاقة باستخدامك للتطبيق، مدة البقاء، الصفحات التي قمت بزيارتها وغيرها.
بيانات جهازك بالكامل مثل نوعه ونوع نظام تشغيل جهاز الكمبيوتر والجهاز المحمول ورقم الإصدار والشركة المصنعة والطراز ومعرف الجهاز ورموز الدفع ومعرف إعلانات Google ومعرف Apple للإعلان ونوع المتصفح ودقة الشاشة وعنوان IP (والبلد المرتبط الذي تتواجد فيه) وموقع الويب الذي زرته قبل زيارة هذا الموقع.
- بيانات متعلقة بنشاطك على الانترنت.
- وفي حالة كنت تقوم بتسجيل الدخول إلى هذه التطبيقات والمواقع باستخدام حسابك على منصة أخرى مثل فيسبوك مثلا، فأنت تسمح لهذا التطبيق بالوصول إلى كافة الصلاحيات -والبيانات- التي تسمح لفيسبوك بالوصول لها.
ورغم تأكيد هذه التطبيقات لفكرة عدم الاحتفاظ بنسخة من الصور الأصلية بعد تسليم النتائج، إلا أنها في واقع الأمر تعتمد على أطراف خارجية لتكوين النتائج، مثل الخدمات السحابية من Amazon، التي تستلم نسخة من الصور للوصول إلى الفلاتر ووسائل معالجة الصور. وتمتلك هذه التطبيقات الحق الكامل في الاحتفاظ بنسخة من النتائج النهائية، أي صورتك الفنية بريشة فناني العصور الوسطى، وأيضا صورتك كشخصية في عالم ديزني تصبح بشكل رسمي إنتاجًا مملوكا لهذه الجهة. وفي هذا الجانب، نذكر أيضا أن هذه التطبيقات تعتمد على التعلم، وعلى كمية مهولة من البيانات المشابهة، مما يتيح لهم فرصة إنشاء المزيد من مشاريع الإنتاج التي تتغذى بشكل أساسي على هذا النوع من البيانات. ويعد أكبر الجوانب خطرا وتهديدا للخصوصية، لاحتوائه على بيانات بيومترية، وهي البيانات التي يعتمد عليها في تنفيذ برامج التحقق والتعرف الآلي، وبتسليمهم هذا النوع من البيانات، تصبح هذه الشركات قادرة على كشف الهويات أو التجسس على المستخدمين.
كما تقوم هذه الشركات بتخزين بياناتك على شكل بيانات مجهولة المصدر، أي تجريدها من البيانات الشخصية التي يمكن التعرف عليها، لتفادي المساءلة القانونية، واستخدام البيانات المجمعة هذه في أغراض تجارية، مثل بيعها إلى شركات أخرى تقوم بتحليلها والاستفادة منها في الإعلانات.
ومن جانب آخر، تمارس بعض الشركات مثل لينسا، سياسات التحايل على حقوق الملكية، فاعتمادها على مكتبة الصور الضخمة التي تستخدمها لإنتاج المزيد من النتائج، ظهرت بشكل ملحوظ العديد من النتائج التي تحمل بقايا توقيعات شخصيات، لأنها اعتمدت في إنتاجها للصور الفنية، على لوحات رقمية لفنانين رقميين حقيقيين، وعند اعتراض بعض النشاط في هذا المجال، كان دفاع الشركة بأن النتائج لا يمكن أن تتطابق ١٠٠٪ لهذا تخرج من تصنيف التعدي أو الانتهاكات “لا يمكن وصف النواتج على أنّها نسخ طبق الأصل لأي عمل فني معين”. حسب تقرير CNN، خاصة أن اللوحات الرقمية متاحة على الانترنت، وهذا تحديدا الخطر الذي يشكله رفع المستخدمين لصورهم على هذه المواقع.
ما الذي يمكن فعله بعد استخدام هذا النوع من التطبيقات؟
الغرض من توضيح انتهاكات السلامة الرقمية من قبل تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالتأكيد ليس لغرض تأنيب الضمير وتنديم المستخدمين على التجربة، ولكن لوضع الجميع في الصورة، وتقديم حلول يمكن من خلالها إنقاذ البيانات الشخصية، عادة تكون متاحة في صفحة سياسة الخصوصية لكل تطبيق، وتشمل عدة خيارات ابتداء من إلغاء أي أذونات وصول كنت قد منحتها سابقا، سواء للكاميرا والصور أو أي من معلومات الجهاز، كما يمكنك أيضا تقديم طلب إزالة البيانات التي تمت مشاركتها مع الأطراف الخارجية كخدمات المعالجة السحابية من أمازون، التي تحتفظ بصورك الفوتوغرافية تحديدا.
مع التذكير بأن هذا النوع من التطبيقات عادة ما يتضمن روابط وإعلانات لتطبيقات وصفحات ويب أخرى، تدار من قبل جهات مختلفة، لكل منها سياسة خصوصية مختلفة، يترتب على زيارتها عدة نتائج، لا يمكن التراجع عنها إلا بالتعامل مع كل واحد منها على حدة.
تبدو صورتك جميلة بالفعل وتستحق أن تكون صورة شخصية على منصات التواصل الاجتماعي. في المقابل، يبدو الأمر معقدا للغاية، ولكن هذا التعقيد هو بالضبط ما يدعو إلى الحذر من الخطوات التي نتخذها على الانترنت، والمواقع والتطبيقات التي نقوم بزيارتها بشكل عشوائي، وهو ما يجعل من قراءة سياسة الخصوصية المعروضة في صفحة غير ملوّنة بشكل مزعج وممل يشبه الأوراق الرسمية؛ هو أمر ضروري ومهم قبل الضغط على زر الموافقة والتسليم في هوياتنا.
تم نشر هذه المقالة مسبقا عبر منصة مبادرة أنير.
اترك تعليقاً